تاريخ

الذهب في العصور الإسلامية | من الدينار الأموي إلى فن المينا الفاطمي.

الذهب في العصور الإسلامية من الدينار الأموي إلى فن المينا الفاطمي

الذهب في العصور الإسلامية لم يكن مجرد معدن نفيس يُخزَّن أو يُهدى؛ بل صار لغة هوية وذائقة وحرفة تتقاطع فيها الشريعة بالاقتصاد، والفن بالإتقان، والسوق بالرمز. منذ فجر الدولة الأموية وحتى اتساع العالم الإسلامي شرقًا وغربًا، ظل الذهب حاضرًا في تفاصيل الحياة: من سكّ الدينار الأموي إلى ازدهار سوق الصاغة، ومن زخارف الخُطوط الكوفية إلى روائع فن المينا الفاطمي. في هذا الدليل، نرافق القارئ في رحلة واثقة عبر مراحل الازدهار، مدارس الزخرفة، وطرائق الحرفة التي منحت الذهب في العصور الإسلامية طابعه الفريد.

وفّرت الشريعة الإسلامية أساسًا واضحًا لتداول الذهب والفضة (الذهب للدنانير والفضة للدراهم) بما يرسّخ ثقة السوق ويقلّل المضاربات. هذا التوازن بين القيمة المعيارية والأحكام الفقهية شجّع على تجارة عابرة للأقاليم.

من سواحل المحيط الهندي إلى المتوسط، ومن العراق وخراسان حتى الأندلس، عملت القوافل البحرية والبرية على إذكاء الطلب وتبادل الخبرات، فصار الذهب في العصور الإسلامية جزءًا من نظام عالمي للمواد الثمينة.

البيئة البصرية الإسلامية تميل إلى الخط العربي، الهندسة، والأرابيسك؛ وحين دخل الذهب كخامة، انصهرت هذه الجماليات في حِليةٍ متقنة تتحدّث بلغة الزمن: جِدّة تقنية مع أصالة رمزية.

يُشار عادةً إلى سكّ الدينار الأموي في أواخر القرن الأول الهجري كنقطة تحوّل: نصوص قرآنية وشواهد توحيدية، مع التزام صارم بالعيار والوزن. بذلك صار الدينار عملة موثوقة تتجاوز حدود الدولة، وتنتقل بأمان في أسواق الشام والعراق ومصر والمغرب والأندلس.

قامت “دُور السِّكّة” بدورٍ محوري في الحوكمة الاقتصادية: توحيد الأوزان، ختم العيارات، ومكافحة الغش. هذا الإرث الإداري انعكس على صياغة الذهب نفسها؛ إذ باتت قيمة العيار والوسم جزءًا من سمعة الحِرفة والتاجر على السواء.

  • دمشق وبغداد: مدارس فنية عريقة في النقش والتحبيب.
  • القاهرة (الفسطاط ثم القاهرة الفاطمية): قلب نابض للصياغة والتجارة.
  • القيروان وفاس: جسور بين إفريقية والأندلس.
  • قرطبة وغرناطة: تلاقح الأندلس مع المتوسط الأوروبي.

الحِرَف كانت منظمة بنُظُم عرفية: شيخ سوق، معايير جودة، وسمعة عابرة للأجيال. هذا النظام حمى الذهب في العصور الإسلامية من الفوضى، ورفع قيمة الصناعة في نظر العملاء والأمراء.

أساليب دقيقة تتطلب صبرًا ومهارة: نقاط ذهبية مجهرية تُلحَم حراريًا لتكوين زخارف، وأسلاك ملتفة ترسم أشكالًا نباتية وهندسية بدون إفراط في المعدن—جمال خفيف الوزن، عميق الأثر.

يُطرَق المعدن ويُنقش بعمقٍ محسوب لصنع نصوص وزخارف. كثيرًا ما يظهر الخط الكوفي على الأساور والمعلقات، بوصفه توقيعًا حضاريًا.

ذروة الجمع بين اللون واللمعان؛ تُلوَّن المساحات وتُطلَى بمساحيق زجاجية ثم تُحرق حراريًا لتثبيت اللون. صُنعت بهذه التقنية حِليّ ذات حضور بصري آسر في القاهرة الفاطمية، ما منح الذهب في العصور الإسلامية صفحةً فنية متفرّدة.

في العهد الفاطمي، تحوّلت القاهرة إلى مختبر جماليات؛ زخارف نباتية (أوراق وعناقيد)، هندسات دقيقة، وخطوط كوفية تُطوّق النصوص الدينية والدعوات بالبركة. امتزجت المينا مع التحبيب والفتلة، فظهرت قطع خفيفة وثمينة في آن. هذه المدرسة انتقلت تأثيراتها إلى العالم الإسلامي شرقًا وغربًا.

اتسق الذوق مع الصرامة الهندسية، فبرزت تيجان وأحزمة وخواتم تُعلن النفوذ الملكي والعسكري. صار الذهب جزءًا من لغة البلاط: مكافآت، أوسمة، وعلامات ولاء.

تطوّرت أدوات السَّفع والتلميع والقصّ، وظهرت ورش متخصّصة. ضمنت هذه البيئة استمرار جودة الذهب في العصور الإسلامية ووفرة المعروض الراقي للنخب والأسواق.

في قرطبة وإشبيلية وغرناطة، تزاوجت الهندسة الإسلامية مع حسّ موسيقي بصري: تناظرات لطيفة، زخارف مورّقة، وكتابات أنيقة. قرب الأندلس من المتوسط الأوروبي خلق تبادلًا فنيًا، لكن الجوهر الإسلامي ظل مُحافظًا على اقتصاد الزخرفة وبلاغة البساطة.

  • الخط العربي (كوفي/ثلث/نسخ): آيات وأدعية وأوقاف، تُحوّل النص إلى زينة.
  • الهندسة: مضلعات ونجوم تتكرر بنِسَب موزونة.
  • الأرابيسك: تشعّبات نباتية بلا فراغات فوضوية؛ امتلاء محسوب يعطي القطعة إيقاعًا بصريًا.
  • الياقوت والزمرد والفيروز والعقيق واللازورد: ألوانٌ تُعيد رسم الضوء على المعدن.
  • اللؤلؤ والمرجان في السواحل: حضور بحريّ أنيق في الحِلي.
  • البلاتين والفضة: حضرا في بعض البيئات كخامات مساعدة أو خلفيات لونية.
  • الدنانير والدراهم كوحدة قياس قيمة وتبادل.
  • طرق تجارة إلى الهند وبلاد السند للمواد والأحجار.
  • الأسواق الكبرى: مواسم الحج، معارض موسمية، ومرافئ المتوسط.

هكذا ظل الذهب في العصور الإسلامية جزءًا من منظومة قيمة تحفظ توازنه بين الادخار والزينة

تعاقبت العصور وتقلبت السياسات، لكن القطع التي نجت رعتها أوقاف، خزائن قصور، ثم متاحف. عمليات الترميم الحديثة تعتمد تصويرًا مجهريًا وقياسات طيفية لحماية المينا والنقوش، مع احترام روح الصناعة الأصلية.

  1. اقتصاد الزخرفة: مزيد من الفكر، أقل من الحشو.
  2. بلاغة الخط: النص عنصر جمالي لا توثيقي فقط.
  3. تآلف اللون والمعدن: المينا درسٌ في توزيع الضوء.
  4. وظيفة تُحترم: الخاتم والقلادة قطع تُلبس بسلاسة، لا تماثيل صغيرة.
  5. هوية حيّة: اقتبس روح المدرسة، لا زخرفتها حرفيًا.

يقدّم الذهب في العصور الإسلامية سيرة معدنٍ صار ثقافة كاملة: معيارًا نقديًا، حِرفة مُتقنة، وبيانًا بصريًا يجمع الإيمان والواقعية والجمال. من الدينار الأموي إلى فن المينا الفاطمي، ومن سوق الصاغة إلى متاحف العالم، بقي هذا الذهب شاهدًا على حضارة جعلت من ميزان الخفة والضوء قانونًا للذوق. وحين ننظر اليوم إلى هذه الروائع، فنحن لا نرى معدنًا لامعًا فحسب، بل نسمع إيقاع حضارة لا يزال يبرق عبر الزمن.

ما الذي يميز الذهب في العصور الإسلامية عن غيره؟

يجمع بين معايير شرعية واقتصادية واضحة، وذائقة فنية تعتمد الخط العربي والهندسة والأرابيسك، مع تقنيات دقيقة مثل التحبيب والمينا الفاطمي.

ما هو الدينار الأموي ولماذا كان مهمًا؟

الدينار الأموي عملة ذهبية موحّدة العيار والوزن والنقش، وفّر معيار ثقة للتجارة العابرة للأقاليم وأسّس لسمعة الذهب في العصور الإسلامية.

ما المقصود بالمينا الفاطمي؟

تقنية تلوين زجاجية تُثبت بالحرارة فوق الذهب، قدّمتها القاهرة الفاطمية بروح زخرفية مميّزة تمزج اللون باللمعان.

أين ازدهرت أسواق صياغة الذهب؟

دمشق، بغداد، القاهرة، القيروان، فاس، وقرطبة؛ مدن شكّلت شبكة مهارات وحِرَف تداولت الخبرة والذوق.

كيف يستفيد المصمم المعاصر من هذا التراث؟

بتبنّي اقتصاد الزخرفة، توظيف الخط العربي كعنصر بصري، والموازنة بين الوظيفة والجمال، مع قراءة ذكية للمينا والزخارف الهندسية.

Ahmed Essebsi

ده المكان اللي بحكي فيه حكاياتي، وبشارك خبرتي في الدهب والألماس، وكمان اهتماماتي في التصوير، التكنولوجيا، والكتابة… كله ببساطة ومن غير أي تعقيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى